بعد كتابه المصدري " المغرب العميق / ورديغة الكبرى "، يعود المؤرخ المغربي صالح شكاك إلى تأليف طريف يحمل عنوان " المُسهب في أسرار المغرب أو المغاربة كما هم " عن منشورات أبي رقراق بالرباط. ويتضمن الكتاب، الذي يقع في 413 صفحة من القطع الكبير، مقدمة وثلاثة عشر فصلا أو بابا، تصب مواضيعه في مجال صورة الأنا الجمعي للمغرب والمغاربة، إنسانا ومجالا وثقافة، من خلال نصوص انتخبها المؤلف من الأدب والثقافة والتاريخ والسياسة والتراث الشفوي والحكاية الشعبية، معتمدا على مصادر ومراجع ووثائق رسمية وجرائد ومخطوطات متنوعة، استقى منها الأقوال والأشعار والأمثال والنكت والمأثورات. نصوص للزعماء والأدباء والمؤرخين والملوك والعامة والرحالة والفقهاء والشيوخ والفلاسفة والحكماء. تتناول مواضيع توزعت عبر الأبواب حول المغرب والمغاربة في كل مناحي الحياة، في الزمن الصعب وفي الرخاء بلغة الجد والسخرية.
ويُعرف صالح شكاك مؤلفه في المقدمة قائلا: " أما الوارد في هذا الكشكول أو المستطرف، فهو بعبارة صريحة "تامغربيت"، هو محاولة موجهة للمغاربة أنفسهم ولغيرهم ليعرفوا ما لم يعرفوه، أو ليتذكروا ما قد نسوه، وهو كذلك مرآة شفافة، أردنا من ورائها، أن يعرف الآخرون من غير المغاربة الطابع المغربي الفريد من نوعه والنقي في أصله والمثمر في فرعه و الظليل في أيكه. فأنزلنا المغاربة منازلهم فمكناهم من فسيح البياض . وهو كما جاء على لسان محمد بن عسكر الشفشاوني في مقدمة تأليفه" دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر":" وإنما جعلته مختصا بمشايخ المغرب لكونه وطني ومغرس شبابي ومعطني ، ومن ذا الذي لا تهزه عصبية وطنه".
وللدنو من مضامين الكتاب، فإن الباب الأول، مثلا، يقدم خمسة وثمانين (85) نصا من مختلف المصادر والمراجع في فضائل المغرب والمغاربة بشهادات من الداخل والخارج، من مختلف الآراء قديما وحديثا.
ومن أمثلة هذه النصوص ثلاثة أمثلة – تمثيلا - تكشف من التنوع الذي يحفل به الكتاب. أورد المؤلف شهادة لبول بيلو من كتابه( Trente ans de Baroud ): "هؤلاء المردة المغاربة كانوا يتسللون تقريبا كل ليلة إلى المعسكر الفرنسي، فيسرقون منه البنادق بعد قتل الحراس، كانوا عراة يطلون أجسامهم بشحم ابن أوى، الذي تخذر رائحته الكلاب، وليس لهم من أسلحة سوى الخناجر.لا يحدثون بحركتهم أكثر مما تحدثه عادة ورقة يابسة في مهب الريح، فلا أحد منهم يراهم، ولا أحد يسمعهم، وينجحون في معظم الحالات في أهدافهم".( ص35)
وعن أحمد بن القاضي في " جذوة الاقتباس" اقتبس ما يلي :" يُحكى أن صالح بن محمد بن حرزهم زار بيت المقدس وانقطع في قرية، فنزل عليه أبو حامد الغزالي مع أصحابه، وكان بالمسجد عريش عنب قد ظهر فيه الحصرم، فقال أصحاب أبي حامد اشتهينا حصرما، فقال لهم سلوا إمام المسجد على من حبّس عنبه، فسألوا ابن حرزهم فقال لا أدري على من حُبس ولا تعرضتُ له ولا أكلت منه قط. فأخبروا أبا حامد بما قال ، فقال لهم هذا مغربي له أعوام في هذا المسجد لم يتعرض له قط ، وأنتم من ساعة واحدة لم تملكوا أنفسكم." ( ص 36).
وفي نموذج ثالث من التراث الشعبي : " الدنيا غابة والناس حطابة واللي حطب شي يسخن عليه. الدنيا حظوظ شي دّا الخدود والقدود وشي دّا العظام والجلود..." (ص 37)
وتكشف المصادر والمراجع المعتمدة عن ثراء النصوص في هذا الكتاب وتنوع المواضيع عبر الأبواب والتي يقول عنها المؤلف : " إن هذا التصنيف الذي وضعناه في هذا الكتاب لم يكن إلا اجتهادا فقط، فالكثير من النصوص متداخلة المعاني ومتعددة الأهداف والمقاصد، فالكثير منها يمكن أن يصنف في أكثر من باب، لذلك فالوارد في هذا المقام ليس نهائيا. كما أن عناوين الأبواب نفسها قد أتت فريدة في معناها أو متداخلة في مغزاها، بعدت بين المتقارب وقربت بين المتباعد و جمعت المتناقض فيما بينه. فأعرضنا ما قيل عن المغرب والمغاربة من أقوال وشهادات وعرجنا على أقلام الشجاعة وسيوف الإقدام وخصصنا للمتصوفة والأولياء حيزا ولم نغفل عطاء المغاربة في العلوم والمعارف كما وقفنا قليلا عند أشعار المغاربة وحكمهم وتطرقنا إلى مقاماته في التسيير وتدبير الأمور ولم تفتنا الفرصة للإحاطة ولو نسبيا ببعض المواقف الخاصة بعلاقات الرجال بالنساء ثم خصصنا حيزا لمنجزات الجبابرة وأشكال الفساد التي طبعت المجتمع المغربي في مسيرته التاريخية، كل ذلك من مصادر مكتوبة وأخرى شفاهية متعددة الأغراض والأشكال والمقاصد وعلى طول الخارطة المغربية بتنوعها الجميل."
أهمية هذا الكتاب، فضلا عن مادته في مجال المستطرفات، أنه يمنح القارئ السفر عبر أجناس تعبيرية مختلفة بمتعة نحو معارف متنوعة ومتفرقة في مئات الكتب، وهو يقدمه لفئتين من القراء كما يعكس العنوان ذلك: إلى المؤرخ المتخصص (المسهب في أسرار المغرب)؛ وإلى القارئ بشكل عام (المغاربة كما هم ).